من اهم ما يمثل الحضاره المصريه عن غيرها هو التحنيط ويعتبر خبره مميزه فى علوم الطب والتشريح والكيمياء وغيرها.
كلمه التحنيط تشير الى معالجه الجسد بمواد عطريه وغير عطريه بما يؤدى الى الحفاظ عليه فى حاله جيده وربما كانت البدايه الاولى لعلاج الجسد هى تلك التى تعرف بالتصبيروالتى تقابل فى الانجليزيه Embalming اما التحنيط الذى يمثل العلاج الشامل للجسد فقد عرف فى الانجليزيه Mummification ولهذا اصبح الجسد المعالج يعرف ب Mummy التى حرفت فى العربيه الى مومياء وكان الاعتقاد السائد حول سبب تسميه الجسد المعالج ب مومياء هو انها مشتقه من الكلمه الفارسيه موميا Mummia والتى تعنى القار(البيتومين)اعتقادا ممن اطلقوا هذا المسمى بان القار كان من بين المواد الرئيسيه التى استخدمت فى التحنيط عندما لاحظوا سواد لون المومياوات وان اتضح بعد الفحص والتحليل ان القار لم يستخدم فى تحنيط المومياوات المصريه وقد اتضح بعد الفحص والدراسه ان هناك ماده سوداء استخدمت فى عمليه التحنيط وبتحليلها اتضح انها ماده (الميمياء) التى هى نتاج مواد عضويه توجد بندره فى الجبال اليمنيه وتستخدم بعد تحويلها الى سائل فى علاج بعض الامراض وكلمه الميمياء كلمه عربيه قديمه تشير الى هذه الماده المثبته وذات الرائحه النفاذه وقد ورد ذكرها فى كتاب ابوبكر الرازى (الطب العربى)
وبذلك يمكن القول بان Mummy محرفه عن الكلمه العربيه القديمه ميميا وانه ليس لها صله بالقار والواضح انه منذ بدا الانسان المصرى يدفن موتاه فى ظل ايمانه بحياه ما بعد الموت وهو يتخذ خطوات تتناسب مع امكانياته وخبرته للحفاظ على الجسد ولابد انه طوال الاسرات الثلاث الاولى قد اتخذت خطوات بعينها .اما فى الاسره الرابعه عثر على صندوق يضم اوانى احشاء الملكه ام الملك خوفووالذى عثر فيه على بقايا احشاء ملفوفه فى قطع من قماش الكتان وكانت الاحشاء مغموره فى سائل اتضح بعد تحليله انه يضم ملح النطرون وغيره واذا كانت الاحشاء قد عولجت فلابد ان المومياء التى لم يعثر عليها قد عولجت هى الاخرى وقبل الاستمرار فى تتبع المراحل التى ادت الى التحنيط اود الاشاره الى ان المصرى القديم لم يترك لنا وثيقه تحكى لنا المواد والخطوات التى اتبعها المحنطون وهم يقومون بهذه المهمه وان بعض المواد التى استخدمها المحنطون رغم كل التحليل والدراسات التى جرت على مومياوات لادميين وحيوانات وطيور وزواحف وغيرهم من الكائنات كانت من بين اسرار المهنه او انها لم تعد قائمه فى البيئه المصريه فى زمننا الحالى
لهذا يظل الاعتماد الاكبر ونحن نتحدث عن التحنيط على ما ورد فى كتابات المؤرخ هيرودوت وغيرها وعلى بعض المواد التى امكن التعرف عليها من خلال الدراسه ورغم ذلك فان هناك بعض المعلومات المؤكده ومنها :
1-ان تجفيف الجسد كان من الخطوات الاساسيه لعمليه التحنيط وذلك اما طبيعيا من خلال اشعه الشمس او صناعيا من خلال التسخين فى درجه حراراه معينه للنار
2-ان بعض المواد التى استخدمت فى الحفاظ على الجسد وتحنيطه معروفه ومنها : الملح ،الجير، النطرون،الراتنج ،شمع النحل،القرفه،الكاسيا،الحناء،زيت الارز،حب العرعر،البصل،عرقى النخيل ونشاره الخشب.
3-ان التحنيط كان قاصرا على صفوة القوم نظرا للتكلفه الباهظه لمثل هذا الامر وفى العصور المتاخره ظهرت طرق بسيطه للتحنيط من خلال التجفيف بالنطرون مما يمكن الفقراء من استخدامها
4-ان التحنيط ظل معروفا فى مصر حتى نهايه العصر الرومانى
5-ان محاوله الحفاظ على الجسد التى سبقت الوصول الى التقنيه الكامله للتحنيط كانت تتضمن اعداد اقنعه للوجوه للحفاظ على ملامحها ولف اعضاء الجسد كلها او بعضها والتجفيف دون استخراج الاحشاء
6-ان التربه الجافه ساعدت على الحفاظ على بعض الاجساد فى حاله جيده بدت وكانه محنطه بينما الواقع يؤكد ان يد الانسان لم تمد اليها
7-ان اقدم مومياء معروفه لنا حتى الان هى مومياء الملك سقنن رع الذى قتل فى احد معاركه ضد الهكسوس وهى محفوظه الان فى قاعه المومياوات بالمتحف المصرى
8-ان المصرى القديم كما حنط الاجساد عالج اللفائف الكتانيه بمواد جعلتها قادره على الاحتفاظ بخصائصها فلهذا تبدوا فى معظم الحالات بحاله جيده
9-ان استخراج الاحشاء لم يكن يحدث فى كل عمليات التحنيط
ونعاود تتبع مراحل الحفاظ على الجسد حيث عثر فى مقبره شخص يدعى نفر من الاسره الخامسه فى سقاره على جسد فى حاله جيده يبدو انه قد جرت محاولات للحفاظ عليه من خلا ل التجفيف ومن الاسره الحاديه عشره عثر فى المقبره الخاصه بالملك منتوحتب نب حبت رع ومقابر سيدات الاسره المالكه بجوار معبد الدير البحرى على اجساد مجففه دون استخراج الاحشاء وكانت ملفوفه بلفائف كتانيه كما عثر على اجساد ل 60 من جنوده الذين حاربوا معه ضد الاهناسيين وكان كل عضو من اعضاء الجسد ملفوف بلفائف كتانيه وظل المصرى يطور من اجرات الحفاظ على الجسد الى ان وصل فيما نعلم حتى الان فى الاسره السابعه عشره الى التحنيط الكامل وكانت الخطوه الاولى فيما يبدو هى احداث فتحه فى الجسد عند الجانب الايسر حيث يجرى استخراج الامعاء ومعالجتها ووضعها فى اوانى الاحشاء الاربعه التى يحميها ابناء حور الاربعه وهم: حابى,امستى ,دواموتف وقبح سنوف وكانت الخطوة التاليه هى نقع الجثه فى محلول النطرون حتى يمكن التخلص من السوائل الكائنه فى الجسد حتى لايصاب بالعفونه وهناك راى اخر بان الجسد كان يعالج بالنطرون الجاف اى يملح كما تملح الاسماك على سبيل المثال الامر الذى يؤدى الى درجه الجفاف المطلوبه والظاهر ان خطوت استخدام النطرون كانت تستغرق مابين 40-70 يوم تكون المومياء بعدها مهيئه للدفن وربما يمكن الربط بين الفتره التى تستغرقها هذه المرحله (40 يوما) وبين ذكرى الاربعين للمتوفى عند المسلمين والمسيحيين وبعد التاكد من التخلص من تلك السوائل ووصوله الى درجه الجفاف الكامل باستخدام اشعه الشمس او وضعها فى افران فى درجه حراره معينه تبدا عمليه حشو القفص الصدرى والبطن بقماش الكتان والراتنج واحيانا نشاره الخشب لتبدو المومياء فى شكلها الطبيعى ثم تاتى بعد ذلك عمليه دهن الجسد بالزيت وابتداء من الاسره الثامنه عشره كان يجرى استخراج المخ من الجمجمه وذلك من خلال اله خطافيه تمر عبر احدى فتحات الانف لتصل الى منطقه المخ فتقوم بهرسه ومن ثم يتم تفريغه وبعد التاكد من جفاف الجمجمه كانت تملا بالراتنج والكتان وكان القلب يترك فى الجسد على اعتبار انه سيلعب دورا اثناء محاكمه المتوفى فاما يؤدى به الى الجنه (حقول يارو) اذا كان عادلا او يلتهمه الكائن الخرافى عمعم اذا كان ظالما وكان الجسد باكمله يغطى احيانا بالراتنج ثم تلف الاعضاء بلفائف الكتان وبعد ان تخاط فتحه الجسد تجرى عمليه لف كامله بعدد من اللفائف يختلف حسب الحاله الاقتصاديه للمتوفى
فقد خلت النصوص المصريه القديمه من وصف عمليه التحنيط وان وصفت برديه تؤرخ للاسره26 عمليه تحنيط للعجل ابيس وسيظل الاعتماد الاكبر على ما ورد فى كتابات هيرودوت (زار مصر فى القرن5ق.م) وديودور الصقلى (زار مصر فى القرن الاول ق.م ) حيث اشارا الى طرق ثلاث للتحنيط وهى:
الطريقة الاولى وهى باهظه التكاليف وفيها تستخرج محتويات البطن والصدر (عدا القلب) وتعالج الاحشاء بالتوابل وعرقى النخيل ثم يحشى التجويف بمواد عطريه وبالمر والقرفه وبعد ان تخاط فتحه الجسد كان الجسد يعالج بالنطرون ثم يغسل ويلف فى لفائف من الكتان تثبت بنوع من الصمغ
اما الطريقه الثانيه فكانت الجثه تحقن بزيت الارز عن طريق فتحه الشرج ثم تعالج بالنطرون
اما الطريقه الثالثه والتى اقتصرت على الطبقه الفقيره فكانت تقوم على استخدام حقنه شرجيه لتنظيف الاحشاء ثم يعالح الجسد بالنطرون
ومن الطبيعى ان نتوقع انه نظرا لان التحنيط كوسيله اساسيه للحفاظ على الجسد قد استمر لالاف السنين ان نتوقع ازدهارا وتدهورا فى هذه العمليه لاسباب ماديه او فنيه وان تختلف الاجراءات والتفاصيل التى كانت تجرى لجسد المتوفى من فتره لاخرى ومن مكان لاخر لهذا لا عجب ان نرى ان اساليب ووسائل مختلفه لعمليه التحنيط لكنها كانت تهدف كلها فى النهايه الى تامين سلامه الجسد لتتعرف عليه الروح فى العالم الاخر فتعود اليه الحياه